فصل: بصيرة في منّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)}.
قوله: {إِثْمٌ}: جعلَ الزمخشريُّ همزه بدلًا من واوٍ. قال: لأنه يَثِمُ الأعمال أي: يكسِرُها وهذا غيرُ مُسَلَّمٍ بل تلك مادةٌ أخرى. ولا تَجَسَّسوا: التجسُّسُ: التتبُّع، ومنه الجاسوسُ والجَسَّاسَةُ. وجَواسُّ الإِنسان وحواسُّه: مشاعِرُه:، وقد قرأ هنا بالحاء الحسنُ وأبو رجاء وابن سيرين.
قوله: {مَيْتًا} نصبٌ على الحالِ من {لحم} أو {أخيه} وتقدَّم الخلافُ في {مَيْتا}.
قوله: {فَكَرِهْتُمُوهُ} قال الفراء: تقديرُه: فقد كرهتموه فلا تَفْعَلُوه.
وقال أبو البقاء: المعطوفُ عليه محذوفٌ تقديره: عَرَضَ عليكم ذلك فكرِهْتموه، والمعنى: يُعْرَضُ عليكم فتكرهونه. وقيل: إنْ صَحَّ ذلك عندكم فأنتم تَكْرهونه.
وقيل: هو خبرٌ بمعنى الأمرِ كقولهم: (اتقى اللَّهَ امرؤٌ فَعَلَ خيرًا يُثَبْ عليه).
وقرأ أبو حيوةَ والجحدري {فَكُرِّهْتُموه} بضمِّ الكاف وتشديدِ الراءِ عُدِّيَ بالتضعيفِ إلى ثانٍ، بخلافِ قوله أولًا: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر} [الآية: 7]، فإنه وإنْ كان مُضَعَّفًا لم يَتَعَدَّ إلاَّ لواحدٍ لتضمُّنِه معنى بَغَّض.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}.
قوله: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ}: الشُّعوب: جمع شَعْب وهو أعلى طبقاتِ الأنسابِ، وذلك أن طبقاتِ النَّسَبِ التي عليها العربُ ستٌّ: الشَّعْبُ والقبيلة والعِمارة والبَطْنُ والفَخِذُ والفَصيلةُ، وكلُّ واحدٍ يَدْخُل فيما قبله، فالفصيلةُ تَدْخُلُ في الفَخِذ، والفَخِذُ في البطن. وزاد بعضُ الناسِ بعد الفَخِذ العشيرة، فجعلها سبعًا وسُمِّيَ الشَّعبُ شعبًا لتشَعُّبِ القبائلِ منه، والقبائل سُمِّيَتْ بذلك لتقابُلها، شُبِّهَتْ بقبائلِ الرأسِ وهي قطعٌ متقابلةٌ. وقيل: الشُّعوب في العجم، والقبائل في العرب، والأسباطُ في بني إسرائيل. وقيل: الشعبُ النَسبُ الأبعدُ، والقبيلةُ الأقربُ. وأنشد:
قبائلُ مِنْ شُعوبٍ ليس فيهِمْ ** كريمٌ قد يُعَدُّ ولا نَجيبُ

والنسَبُ إلى الشَّعْب (شَعوبيَّة) بفتح الشين، وهم جيلٌ يَبْغَضون العربَ.
قوله: {لتعارفوا} العامَّةُ على تخفيفِ التاء، والأصلُ: لتتعارفوا فحذفَ إحدى التاءَيْن. والبزيُّ بتشديدِها. وقد تقدَّم ذلك في البقرة. واللام متعلقةٌ بجَعَلْناكم. وقرأ الأعمش بتاءَيْن وهو الأصلُ الذي أدغمه البزيُّ وحَذَفَ منه الجمهورُ. وابن عباس: {لِتَعْرِفُوا} مضارعَ عَرَفَ. والعامَّةُ على كسرِ {إنَّ أكْرَمَكم}. وابن عباس على فتحها: فإنْ جَعَلْتَ اللامَ لامَ الأمرِ وفيه بُعْدٌ اتَّضَحَ أَن يكونَ قوله: {أنَّ أَكْرَمَكم} بالفتح مفعولَ العِرْفان، أَمَرَهم أَنْ يَعْرِفوا ذلك، وإنْ جَعَلْتَها للعلة لم يظهرْ أَنْ يكونَ مفعولًا؛ لأنه لم يَجْعَلْهم شعوبًا وقبائلَ ليعرِفوا ذلك، فينبغي أن يُجْعَلَ المفعولُ محذوفًا واللامُ للعلة أي: لِتَعْرِفوا الحقَّ؛ لأنَّ أكرمَكم.
{قالتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قولوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)}.
قوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ}: هذه الجملةُ مستأنفةٌ أخبر تعالى بذلك. وجعلها الزمخشريُّ حالًا من الضميرِ في {قولوا}. وقد تقدَّم الكلامُ في {لَمَّا} وما تدلُّ عليه والفرقُ بينها وبينَ (لم). وقال الزمخشري: فإنْ قلت: هو بعدَ قوله: {لم تؤمنوا} يُشْبِهُ التكريرَ من غير استقلالٍ بفائدةٍ مُتَجدِّدة. قلت: ليس كذلك فإنَّ فائدةَ قوله: {لم تؤمنوا} هو تكذيبُ دَعْواهم. و{لَمَّا يَدْخُل} توقيتٌ لِما أُمِروا به أَنْ يقولوه، ثم قال: وما في {لَمَّا} مِنْ معنى التوقع دليلٌ على أنَّ هؤلاء قد آمنوا فيما بعدُ.
قال الشيخ: ولا أدري مِنْ أيِّ وجه يكونُ المنفيُّ ب {لَمَّا} يقعُ بعدُ؟ قلت: لأنَّها لنفيِ قد فَعَلَ، و(قد) للتوقع.
قوله: {لاَ يَلِتْكُمْ} قرأ أبو عمروٍ و{لا يَأْلِتْكُمْ} بالهمز مِنْ أَلَتَه يَأْلُتُهُ بالفتح في الماضي، والكسرِ والضم في المضارع، والسوسيُّ يُبْدل الهمزةَ ألفًا على أصلِه. والباقون {يَلِتْكم} مِنْ لاته يَليتُه كباعه يَبيعه، وهي لغةُ الحجازِ، والأولى لغة غطفانَ وأَسَدٍ. وقيل: هي مِنْ وَلَتَه يَلِتُه كوَعَده يَعِدُه، فالمحذوفُ على القول الأول عينُ الكلمةِ ووزنُها يَفِلْكم، وعلى الثاني فاؤُها ووزنها يَعِلْكم. ويقال أيضًا: ألاتَه يُليته كأَباعه يُبِيعه، وآلتَهَ يُؤْلِتُه كآمَنَ يُؤْمِنُ. وكلُّها لغاتٌ في معنى: نَقَصَه حَقَّه. قال الحطيئة:
أَبْلِغْ سَراةَ بني سعدٍ مُغَلْغَلَةً ** جَهْدَ الرسالةِ لا أَلْتًا ولا كَذِبًا

وقال رؤبة:
وليلةٍ ذاتِ ندىً سَرَيْتُ ** ولم يَلِتْني عن سُراها ليتُ

أي: لم يَمْنَعْني ويَحْبِسْني.
{قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)}.
قوله: {أَتُعَلِّمُونَ}: هذه منقولةٌ بالتضعيفِ مِنْ عَلِمْتُ به بمعنى شَعَرْتُ به، فلذلك تَعَدَّتْ لواحدٍ بنفسِها ولآخرَ بالباء.
{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)}.
قوله: {أَنْ أَسْلَمُواْ}: يجوز فيه وجهان، أحدهما: أنَّه مفعولٌ به؛ لأنه ضُمِّن {يَمُنُّون} معنى يَعْتَدُّون، كأنه قيل: يَعْتَدُّون عليك إسلامَهم مانِّيْنَ به عليك؛ ولهذا صَرَّح بالمفعولِ به في قوله: {لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ} أي: (لا تَعْتَدُّوا عليَّ إسلامَكم) كذا استدلَّ الشيخُ بهذا. وفيه نظرٌ؛ إذ لقائلٍ أَنْ يقول: لا نُسَلِّمُ انتصابَ {إسلامَكم} على المفعولِ به، بل يجوزُ فيه المفعولُ مِنْ أجلِه، كما يجوزُ في محلِّ {أَنْ أَسْلَموا} وهو الوجهُ الثاني فيه، أي: يمنُّون عليك لأجلِ أَنْ أَسْلَمُوا، فكذلك في قوله: {لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ} وشروطُ النصبِ موجودةٌ، والمفعولُ له متى كان مضافًا استوى جَرُّه بالحرفِ ونصبُه.
وقوله: {أَنْ هَداكُمْ} كقوله: {أن أَسْلَموا}.
وقرأ زيد بن علي {إذ هَداكم} ب {إذ} مكانَ {أَنْ} وهي تفيد التعليلَ. وجوابُ الشرطِ مقدرٌ أي: فهو المانُّ عليكم لا أنتم عليه وعليَّ.
{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)}.
قوله: {والله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}: ابن كثير الغَيْبة نظرًا لقوله: {يَمُنُّون} وما بعده، والباقون بالخطابِ نظرًا إلى قوله: {لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ} إلى آخره. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في منّ:

مَنَّ عليه مَنًّا ومِنَّة ومِنِّينَى: امتنَ.
قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ}، فالمِنَّة منهم بالقول، ومنَّة الله عليهم بالفعل وهو هدايته إِيَّاهم، وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ} أَي أَثقلهم بالنعمة الثقيلة.
وذلك بالحقيقة لا يكون إِلا الله تعالى.
وقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} المنُّ إِشارة إِلى الإِطلاق بغير عِوَض.
وقوله: {فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ}، أَي أَنفق.
وقوله تعالى: {وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} فقد قيل: هو المِنَّة بالقول، وذلك أَن يَمْتَنَّ به ويَستكثره، وقيل: معناه: لا تعط مبتغيًا أَكثر منه.
ومنه قوله تعالى: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أَي غير مقطوع، من قولهم مَنَّ الحبل: قطعه، وقيل: غير محسوب ولا معتدّ به من قولك: مَنَّ عليه إِذا امَتنَّ، وقيل: غير منقوص، ومنه قيل للمَنِيَّة: المَنُون، لأَنَّها تَنقص العدد، وتقطع المَدَد.
وقيل: إِن المنَّة تكون بالقول، وهى من هذا لأَنها تقطع النعمة، وتقتضى قطع الشكر.
وأَمَّا المَنُّ في قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} فهو طَلٌّ ينزل من السّماء حُلْو، ينزل على أَصناف من الشجر؛ كالصفصاف ونحوه.
وقيل: المنٌّ والسّلوى كلاهما إِشارة إِلى ما أَنعم الله به عليهم، وهما بالذات شيء واحد، ولكن سمَّاه مَنًّا من حيث إِنه امَتنَّ به عليهم، وسمَّاه سَلْوَى من حيث إِنَّه كان لهم به التسلىّ.
والمَنِين: الرجل الضعيف، والرجل القوىّ من الأَضداد.
والمَنَّان من أَسماءِ الله تعالى، ومعناه: المعطِى ابتداء.
والمُمِنَّانِ: المَلَوانِ.

.بصيرة في من:

وهى على خمسة أَوجه:
1- شرطيَّة، نحو {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}.
2- واستفهاميَّة نحو: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}، {فَمَن رَّبُّكُمَا يامُوسَى}.
وإِذا قيل: مَن يفعلُ هذا إِلاَّ زيد؟ فهى مَن الاستفهاميّة، أُشْرِبَتْ معنى النَّفى.
ومنه: {وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ}.
ولا يتقيد جواز ذلك بأَن تقدّمها الواو، خلافًا لبعضهم بدليل قوله تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}.
3- وموصولة، نحو: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ} أَي الذي في السَّماوات والذى في الأَرض.
4- وموصوفة نكرة، ولهذا دخلت عليها رُبّ في نحو قوله:
رُبّ مَن أَنضجتُ غيظًا قلبَه ** قد تَمنَّى لِىَ موتا لم يُطَع

ووُصف بالنكرة في نحو قول كعب بن مالك وقيل لحسَّان:
فكَفَى بنا فضلا على مَنْ غيرِنا ** حُبُّ النبىّ محمدٍ إِيّانا

فى رواية الجرّ.
وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقول آمَنَّا} جزم جماعة أَنَّها موصوفة، وآخرون بأَنها موصولة.
5- وزائدة كقول عنترة:
ياشاة مَن قَنصٍ لمن حلَّت له ** حَرُمت علىّ وليتها لم تحرم

المراد بالشَّاة المرأَة.

.بصيرة في من:

وهي تأْتى على خمسة عشر وجهًا:
لابتداء الغاية، وهو الغالب؛ حتى قيل: إِن سائر معانيها راجعة إِليه.
ويقع لذلك في غير الزَّمان، نحو: {مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ}.
قيل في الزمان أَيضًا نحو قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}، وفى الحديث: «فمُطِرنا من الجُمُعة إِلى الجمعة».
الثَّانى: التبغيض نحو: {مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ اللَّهُ} وعلامتها إِمكان سدّ (بعضٍ) مسدّها؛ كقراءة ابن مسعود {حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}.
الثالث، بيان الجنس.
وكثيرًا ما تقع بعد ما ومهما.
وهما بها أَولى؛ لإِفراط إِبهامها نحو: {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا}، {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ}، {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ}.
ومن وقوعها بعد غيرهما {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ}، {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ}، ونحو: {فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ}.
وأَنكر مجئَ (مِنْ) لبيان الجنس قوم، وقالوا: هى في {مِنْ ذَهَبٍ} و{مِنْ سُنْدُس} للتبعيض، وفى {مِنَ الأَوْثَانِ}، والمعنى: فاجتنبوا من الأَوثان الرّجس، وهو عبادتها.
وهذا تكلّف.
وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً} للتبيين، لا للتبعيض كما زعم بعض الزنادقة الطاعنين في بعض الصّحابة.
والمعنى: الذين آمنوا هم هؤلاءِ.
ومثل قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ للَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، وكلُّهم محسن مُتَّق، {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقولونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، والمقول فيهم ذلك كلّهم كفَّار.
الرابع: التعليل، نحو: {مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ}.
وذلك من نبإٍ جاءَنى

الخامس: البدل: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ}، {لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} لأَن الملائكة لا تكون من الإِنْسِ، {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا} أَي بدل طاعة الله، أَو بَدَل رحمة الله؛ «ولا ينفع ذا الجَدّ مِنْكَ الجَدّ».
السّادس: مرادفة عن: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ} {ياوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا}.
السابع: مرادفة الباء: {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ}.
الثامن: مرادفة فى، نحو: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْضِ}، {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ}.
التاسع: موافقة عِنْد: {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا} قاله أَبو عبيدة.
وقد قدّمنا أَنها للبدل.
العاشر: مرادفة على، نحو: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ}، وقيل على التضمين، أَي معناه منهم بالنصر.
الحادى: عشر الفصل، وهى الدّاخلة على ثانى المتضادّين: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}، {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.
الثانى عشر: الغايةِ، تقول: رأَيته من ذلك الموضع؛ فجعلته غاية لرؤْيتك أَي محلاَّ للابتداءِ والانتهاءِ.
الثالث عشر: التنصيص على العموم، وهى الزائدة (فى) نحو: ما جاءَنى من رجل.
الرابع عشر: توكيد العموم، وهى الزائدة فى نحو: ما جاءَنى من أَحد.
وشرط زيادتها في النَّوعين ثلاثة أُمور.
أَحدها: تقدّم نفى أَو نهى، أَو استفهام بهل، أَو شرط، نحو: {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا}، {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ}، وقول الشاعر:
ومهما يكن عند امرئٍ من خليقة ** وإِن خالها تخفى على النَّاس تُعْلَم

الثانى: تنكير مجرورها.
الثالث: كونه فاعلا أَو مفعولًا أَو مبتدأ.
وقيل في قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}: إِنَّ (من) زائدة.
وقال أَبو البقاءِ في قوله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}: إِن (مِن) زائدة و(شيءٍ) في موضع المصدر أَي تفريطًا.
وَعدَّ أَيضًا من ذلك قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ} فقال: يجوز كون (آية) حالًا و(من) زائدة، واستدلَّ بنحو: {وَلَقدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}، {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ}، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ}، {وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ}.
وخرّج الكسائى على زيادتها قوله صلى الله عليه وسلم: «إِن مِن أَشدّ الناس عذابًا يوم القيامة عند الله المصوّرون»، وكذا ابن جِنَّى قراءة بعضهم: {لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} بتشديد (لَمَّا)، والفارسىُّ في قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ}.
ويجوِّز كون من ومن الأَخيرتين زائدة، وقال به بعضهم فى: {وَلَقدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}.
وأَمّا قوله تعالى: {كُلَّمَآ أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ} فمِن الأَولى للابتداءِ، والثانية للتعليل.
وقوله: {مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا}، مِن الأُولى للابتداءِ، والثانية إِمّا كذلك فالمجرور بدل بعض وأَعيد الجار، وإِمّا لبيان الجنس، فالظرف حال، والمنبَت محذوف، أَي مما تُنبته كائنًا من هذا الجنس.
وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ}، (مِن) الأُولى مثلها في زيد أَفضل من عمرو، و(من) الثانية للابتداءِ.
وقوله: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ} من للابتداءِ، والظرف صفة لشهوة أَي شهوة مبتدأَة من دونهنّ.
وقوله: {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآية فيها (مِنْ) ثلاث مرات: الأُولى للبيان؛ لأَن الكافرين نوعان كتابيّون ومشركون، والثانية زائدة، والثالثة لابتداءِ الغاية.
وقوله: {لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ}، {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ} الأُولى فيهما للابتداءِ، والثانية للتبيين.
وقوله تعالى: {نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ}، من فيهما للابتداءِ، ومجرور الثانية بدل من مجرور الأُولى بدل اشتمال؛ لأَنَّ الشجرة كانت ثابتة بالشاطئِ. اهـ.